موقفنا
بغض النظر عن حدة وشدة ما قاله المتباكون على الشعب السوري على منبر مجلس الأمن ، في الجلسة الاستثنائية التي عقدت بسبب ما يجري في حلب ، فإن القول الوحيد الذي له معنى ، لأن وراءه دولة بمفهوم الدولة هو قول تشوركين وسيده الفاعلين الوحيدين في العالم اليوم .
تشوركين وقف بكل جرأة ووضوح وسط الإدانات البلاغية المتفاوتة حدة وشدة من وصف التدخل الروسي بالوحشي ، أو بجريمة الحرب ، أو أنه ألحق الخزي والعار بالمجتمع الدولي والعالم المتحضر ، وقف لينعى العملية السلمية التي طالما دعا إليها الشريكان الروسي – والأمريكي ، وتغنى بها أوباما أبو خط أحمر ..
وإذا كان هذا النعي لا يعني شيئا بالنسبة لأولئك المتباكين . وإن كنا نعتقد أن هذا النعي يأتي ضمن توافقية ( دولية – إقليمية ) بعد أن ظن أنه أنهك الشعب السوري قتلا وتهجيرا وتدميرا ، وإنه قد آن الأوان لاغتصاب الإرادة السورية ؛ فإن هذا النعي يجب أن يعني الكثير للرجال والنساء الأحرار المعنيين بسورية وإنسانها وعمرانها ، وبالثورة ومستقبلها ، والشهداء الذين مضوا والوفاء لدمائهم .
يشكل هذا النعي الذي أعلنه تشوركين الروسي عن مقاعد مجلس الأمن تحديا ضخما أمام الثورة والمعارضة السورية ، في ظل خذلان دولي وإقليمي ، يجعل التحدي أكبر وأصعب .
إن التحدي الصعب والحاد في وقته المضيق ، يفرض على الصادقين من حملة الهم السوري سرعة المبادرة ، لاستجابة عملية تليق بالتحدي في حدته وتسارع خطواته وفي مداه ..
إن الذي يجب أن يكون موضع توافق بين الصادقين المخلصين من السوريين أن الأمر جد ليس بالهزل . وأن الإجماع على الخذلان وإن كان متفاوتا هو حقيقة واقعة . ويكذّب ما يجري على حلب منكريه والمتغاضين عنه من أصحاب التفكير الحالم ، أو من المسوفين الذين يظنون أنه قد تبقى على العظم السوري بعض اللحم الذي يمكنهم أن ينهزوه و يتعرّقوه .
وبعد هذا وذاك يمكن للجادين الصادقين المخلصين ، أن يبحثوا عن بدائلهم الحقيقة ، التي تحمي ثورة السوريين من أن تكون ضحية المراهنين والمزاودين . وتعيد قطارها إلى سكته ، من موقع قوة ثورية تتعاطى مع المشهد بما يقتضي من الجرأة والوضوح ؟
ينبغي للسوريين الصادقين الجادين أن يتوفروا لاعتماد البدائل الحقيقية الممكنة والمجدية لثورة مستضعفين هتفوا منذ اليوم الأول: ما لنا غيرك يا الله . وآن الأوان لوضع هذا النداء موضع التنفيذ .
وبعد ست سنوات من الدم والجهد لا بد للثورة والثوار من التوافق على بدائلهم على مستوى المشروع بأبعاده المستقبلية المعبرة عن تطلعاتهم .
البدائل التي تحمي وجودهم وهم يخوضون اليوم معركة وجود ، والتي تحمي هويتهم وهم يخوضون معركة هوية ، وتصون الحقوق ، وتنشر مظلة العدل على الجميع . وإذا كانت الثورة السورية في أحد أبعادها هي معركة ضد الظلم والفساد والاستبداد فلا يمكن أن يكون في صفوف القائمين عليها من يفكر في استبدال ظالم فاسد مستبد بمثله . ولا بد لهذه البدائل أن تنفي عن مشروع هذه الثورة كل العنعنات الماضوية التي تقطع على السوريين طريق مستقبلهم ، أو تفتح الثغرات ليتسلل أصحاب الأجندات المتطرفة المريبة إلى قرارهم ز
وبعد ست سنوات من الجهد والدم لا بد للسوريين الصادقين أن يعيدوا النظر في بدائلهم على مستوى الحامل الثوري ، الذي يجب أن يكون حاملا لائقا بشعب سورية العظيم . حامل لا يعتمد الكثرة ، ولا يحتاجها ، بقدر ما يحتاج الطاقات العملية ، الطاقات التي تعتبر السلاح الثوري مبضع جراح وليس بلطة حطاب يحطب بليل . حامل اختصر وصفه القرآن الكريم بأولئك الذين (( لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا )) حامل مستعد ليعطي ولا يتطلع ليأخذ . وعلى كواهل مثل هؤلاء تتقدم الثورات وتنهض الأمم والشعوب .
ثم إن البدائل الأهم التي يجب أن يبدع في اختيارها السوريون الجادون الصادقون هي بدائل الاستراتيجيات الأساسية ، والأساليب التكتيكية والوسائل العملية . ولقد ظل الحديث عن عملية الانتقال هذه مصاحبا لوقائع الثورة منذ انطلاقها في اليوم الأول . ولكن كل هذه النداءات استخف بها المستخفون ، وتجاوزها المهرولون ...
لا بد أن نرد على طائرات بوتين ، وعصابات الولي الفقيه ، انه لا بديل للسوريين عن الثورة ، وأن الثورة سوف تمضي إلى غايتها لتحقيق كل ما حلم به المستضعفون السوريون ، بوسائل تكتيكية عملية وممكنة ومجدية ، وليس بمقدور أي قوة خارجية أن تفرض إرادتها عليها . ولا بد أن نرد على تشوركين أن لا بديل للحل السياسي في سورية غير الحل السياسي ، الحل السياسي ، بين أبناء المجتمع السوري ، والذي لا يكون للقتلة والمجرمين أي دور آني أو مستقبلي فيه ..
وحتى يتحقق ذلك ، أي دور بقي لديمستور ولفريقه في مستقبل سورية القريب أو البعيد ؟!
لندن : 24 / ذو الحجة / 1437
26 / 9 / 2016
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk